الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وأما خطبة الخليفة في شهر رمضان فنذكرها من قول ابن عبد الظاهر. قال: وأما عظم الخليفة في أيامه وما كانت قاعدته وطريقته التي رتبها ودامت من بعده عادة لكل خليفة فشيء كثير من ذلك: أنه كان يخطب في شهر رمضان ثلاث خطب ويستريح فيه جمعة وكانوا يسمونها جمعة الراحة. وكان إذا أراد أن يخطب يتقدم متولي خزانة الفرش إلى الجامع ويغلق المقصورة التي برسم الخليفة والمنظرة وأبواب مقاصيرها وباذهنج المنبر ثم يركب متولي بيت المال وعلى يد كل واحد منهما تعليقه وفرشه وهي عدة سجادات مفروزة منطقة وبأعلاها سجادة لطيفة لا تكشف إلا عند توجه الخليفة إلى المحراب. ثم يفرش الجامع بالحصر المحاريب المفروزة مما يلي المحراب وكان ذلك بجامع الأزهر قبل أن يبني الحاكم جامعه ثم صار بعد ذلك بجامع الحاكم ثم يهيأ للداخل للجامع مثل ذلك ثم يطلق البخور وتغلق أبواب الجامع ويجعل عليها الحجاب والبوابون ولا يمكن أحد أن يدخله إلا من هو معروف من الخواص والأعيان. فإذا كان حضور الخليفة إلى الجامع ضربت السلسلة من ركن الجامع إلى الوجه الذي قبالته ولا يمكن أحد من الترجل عندها. ثم يركب الخليفة ويسلم لكل واحد من مقدمي الركاب في الميمنة والميسرة أكياس الذهب والورق سوى الرسوم المستقرة والهبات والصدقات في طول الطريق. ويخرج الخليفة من باب الذهب والمظلة بمشدة الجوهر على رأسه وعلى الخليفة الطيلسان. فعند ذلك يستفتح المقرئون بالقراءة في ركابه بغير رهجية والدكاكين مزينة مملوءة بأواني الذهب والفضة فيسير الخليفة إلى أن يصل إلى وجه الجامع ووزيره بين يديه فتحط السلسلة ويتم الخليفة راكبًا إلى باب جامع الأزهر الذي تجاه درب الأتراك فينزل ويدخل من باب الجامع إلى الدهليز الأول الصغير ومنه إلى القاعة المعلقة التي كانت برسم جلوسه فيجلس في مجلسه وترخى المقرمة الحرير ويقرأ المقرئون وتفتح أبواب الجامع حينئذ. فإذا استحق الأذان أذن مؤذنو القصر كلهم على باب مجلس الخليفة ورئيس الجامع على باب المنبر وبقية المؤذنين في المآذن. فعندما يسمع قاضي القضاة الأذان يتوجه إلى المنبر فيقبل أول درجة وبعده متولي بيت المال ومعه المبخرة وهو يبخر ولم يزالا يقبلان درجة بعد درجة إلى أن يصلا ذروة المنبر فيفتح القاضي بيده التزرير ويرفع الستر ويتناول من متولي بيت المال المبخرة ويبخر هو أيضًا ثم يقبلان الدرج أيضًا وهما نازلان. وبعد نزولهما يخرج الخليفة والمقرئون بين يديه بتلك الأصوات الشجية إلى أن يصل إلى المنبر ويصعد عليه. فإذا صار بأعلاه أشار للوزير بالطلوع فيطلع إليه وهو يقبل الدرج حتى يصل إليه فيزر عليه القبة ثم ينزل الوزير ويقف على الدرجة الأولى ويجهر المقرئون بالقراءة ثم يكبر المؤذنون ثم يشرع المؤذنون في الصمت ويخطب الخليفة حتى إذا فرغ من الخطبة طلع إليه الوزير وحل الأزرار فينزل الخليفة وعن يمينه الوزير وعن يساره القاضي والداعي بين يديه والقاضي والداعي هما اللذان يوصلان الأذان إلى المؤذنين حتى يدخل المحراب ويصلي بالناس ويسلم. فإذا انقضت الصلاة أخذ لنفسه راحة بالجامع بمقدار ما تعرض عليه الرسوم وتفرق وهي للنائب في الخطابة ثلاثة دنانير وللنائب في صلوات الخمس ثلاثة دنانير وللمؤذنين أربعة دنانير ولمشارف خزانة الفرش وفراشها ومتوليها لكل ثلاثة دنانير ولصبيان بيت المال ديناران ولمعبي الفاكهة ديناران. وأما القراء فكان لهم رسوم غير ذلك. ومن حين يركب الخليفة من القصر إلى الجامع حتى يعود الصدقات تعم الناس. قلت: وأظن أن الدينار كان غير دينار زماننا هذا فإنه قال بعدما ذكر لمعبي الفاكهة دينارين: فأما الفواكه التي كانت تعبى بالجامع فإنها كانت تباع بجملة كثيرة ويتزاحم الناس على شرائها لبركاتها ويقسم ثمنها بين الإمام والمؤذنين. قلت: ولعل هذا كان رسمًا للمعبي غير ثمن الفاكهة. والله أعلم. ودام هذا الترتيب إلى آخر وقت إلى أيام العاضد آخر خلفاء مصر من بني عبيد. ونذكر أيضًا في ترجمة الآمر بأحكام الله من العبيديين كيفية خروج الخليفة إلى الجامع بأزيد من هذا عندما نحكي ما كان يقع له من الوجد في خطبته إن شاء الله تعالى. انتهى ترجمة المعز لدين الله رحمه الله تعالى. السنة الأولى من ولاية المعز معد وهي سنة ثلاث وستين وثلاثمائة: وفيها أظهر الخليفة المطيع ما كان يستره من علته وثقل لسانه وتعذر الحركة عليه للفالج الذي كان ناله قديمًا وانكشف ذلك لسبكتكين فدعا الخليفة المطيع إلى خلع نفسه وتسليم الأمر إلى ولده الطائع لله عبد الكريم ففعل ذلك وعقد له الأمر في يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة من السنة المذكورة. فكانت خلافته إلى أن خلع نفسه تسعًا وعشرين سنة وأربعة أشهر وأربعة وعشرين يومًا. وصورة ما كتب: هذا ما أشهد على متضمنه أمير المؤمنين الفضل المطيع لله بن المقتدر بالله حين نظر لدينه ورعيته وشغل بالعلة الدائمة عما كان يراعيه من الأمور الدينية اللازمة وانقطع إفصاحه عما يجب عليه لله في ذلك فرأى اعتزال ما كان إليه من هذا الأمر وتسليمه إلى ناهض به قائم بحقه ممن يرى له الرأي. عقده له وأشهد بذلك طوعًا وذكر التاريخ المذكور. وفي آخره بخط القاضي أبي الحسن محمد بن صالح: شهد عندي بذلك أحمد بن حامد بن محمد وعمر بن محمد بن أحمد وطلحة بن محمد بن جعفر. قلت: وانقطع المطيع بداره وكان يسمى بعد ذلك الشيخ الصالح إلى أن مات في سنة أربع وستين وثلاثمائة على ما يأتي ذكره في الآتية إن شاء الله تعالى. وفيها توفي عبد العزيز بن أحمد بن جعفر الفقيه الحنبلي العالم المشهور مولده سنة اثنتين وثمانين ومائتين وصنف المصنفات الكبيرة منها كتاب المقنع مائة جزء وكتاب الكافي مائتي جزء و الشافي ثمانين جزءًا وأشياء غير ذلك ومات في شوال. وفيها توفي أبو الفتح علي بن محمد بن أبي الفتح البستي الشاعر المشهور وكان إمامًا فاضلًا يعاني الجناس. ومن شعره قوله: يا أيها الذاهب في مكره مهلًا فما المكر من المكرمات عليك بالصحة فهي المنى يحيا محياك إذا المكرمات وفيها توفي محمد بن أحمد بن سهل أبو بكر الرملي المعروف بابن النابلسي الزاهد المشهور. بعث إليه كافور الإخشيذي بمال فرده وقال للرسول: قل لكافور: قال الله تعالى: " فرد كافور الرسول بالمال وقال: قل له: " الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي جمح بن القاسم المؤذن وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد صاحب الخلال وأبو بكر محمد ابن أحمد بن سهل الرملي بن النابلسي الشهيد وأبو العباس محمد بن موسى ابن السمسار ومظفر بن حاجب بن أركين والنعمان بن محمد أبو حنيفة المغربي الباطني قاضي مملكة المعز وكان حنفي المذهب لأن الغرب كان يوم ذاك أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا. السنة الثانية من ولاية المعز معد وهي سنة أربع وستين وثلاثمائة: فيها في المحرم أوقع العيارون ببغداد حريقًا من الخشابين إلى باب الصغير فاحترق أكثر هذا السوق وهلك شيء كثير. وأستفحل أمر العيارين ببغداد حتى ركبوا الجند وتلقبوا بالقواد وغلبوا على الأمور وأخذوا الخفارة عن الأسواق والدروب. وكان فيهم أسود يقال له الزبد كان يأوي قنطرة الزبد يشحذ وهو عريان. فلما كثر الفساد رأى هذا الأسود من هو أضعف منه قد أخذ بالسيف فطلب الأسود سيفًا ونهب وأغار وحف به طائفةً وتقوى وأخذ أموال الناس وتمول حتى اشترى جارية بألف دينار فراودها فتمنعت فقال: ما تكرهين مني قالت: أكرهك كلك قال: ما تحبين قالت: تبيعني قال: أو أفعل خيرًا لك من ذلك فحملها إلى القاضي وأعتقها ووهبها ألف دينار فتعجب الناس من سماحته. ثم خرج إلى الشام فهلك هناك. وفيها خرج الخليفة الطائع ومعه سبكتكين من بغداد في المحرم يريدان واسطًا لقتال بختيار فمات الخليفة المطيع الفضل في يوم الاثنين لثمان بقين من المحرم. وكان المطيع قد خرج مع ولده الخليفة الطائع يريد واسطًا فرده ولده في تابوت إلى بغداد فدفن بها ثم مات سبكتكين بعده بيوم واحد فحمل أيضًا إلى بغداد. وكان أصل سبكتكين من مماليك عز الدولة الأتراك وخلع عليه الخليفة الطائع بالإمارة عوضًا عن أستاذه عز الدولة وخرجا لقتاله فمات. وكانت مدة إمارته شهرين وثلاثة عشر يومًا. ولما مات سبكتكين عقد الأتراك لأفتكين الرامي مولى معز الدولة وكان أعور وأطاعوه. وعرض عليه الطائع اللقب فامتنع واقتصر على الكنية. وعمل على لقاء عز الدولة فاستنجد عز الدولة بابن عمه عضد الدولة فنجده وقاتل الأتراك وكسرهم بعد حروب كثيرة. ثم طمع عضد الدولة في الإمارة وعزله عز الدولة وخلع عليه الخليفة الطائع مكانه وعظم أمر عضد الدولة بعد ذلك. وفيها توفي الخليفة المطيع لله أبو القاسم الفضل أمير المؤمنين المقدم ذكر وفاته لما خرج مع ولده الطائع. وهو ابن الخليفة المقتدر جعفر ابن الخليفة المعتضد أبي العباس أحمد الهاشمي العباسي. وأمه أم ولد اسمها مشعلة. بويع بالخلافة بعد المستكفي في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. وكان مولده سنة إحدى وثلاثمائة. وخلع نفسه من الخلافة غير مكره لذلك حسب ما ذكرناه في السنة الماضية ونزل عن الخلافة لولده الطائع ومات في المحرم في هذه السنة كما تقدم. وفيها توفي الأمير محمد بن بدر الحمامي وكنيته أبو بكر. كان والده بدر الحمامي مولى أحمد بن طولون وكان أميرًا على فارس فمات فقام ولده هذا بعده. قال أبو نعيم: وكان ثقة مات ببغداد. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري بن السني وأبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي والمطيع لله الفضل بن المقتدر ومحمد بن بدر الحمامي أمير فارس ومحمد بن عبد الله بن إبراهيم السليطي أبو الحسن. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا. السنة الثالثة من ولاية المعز معد وهي السنة التي مات فيها حسب ما تقدم ذكره في ترجمته وهي سنة خمس وستين وثلاثمائة: فيها كتب ركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه إلى ولده عضد الدولة أبي شجاع أنه قد كبرت سنة ويؤثر مشاهدته فاجتمعا فقسم ركن الدولة الملك بين أولاده فجعل لعضد الدولة فارس وكرمان وأرجان ولمؤيد الدولة الري وأصبهان ولفخر الدولة همذان والدينور وجعل ولده الأصغر أبا العباس في كنف عضد الدولة. وفيها عاد جواب ركن الدولة إلى عز الدولة بما يطيب خاطره. وكان لما بلغ عز الدولة ما فعل ركن الدولة من قسمة البلاد بين أولاده كتب إليه يخبره ما عمله عضد الدولة ويسأله زجره عنه وأن يؤمنه مما يخاف فخاطب ركن الدولة ولده عضد الدولة في الكف عنه فشكا إليه عضد الدولة ما عامله عز الدولة به وانضمام وزيره أبن بقية عليه فلم يزل به ركن الدولة حتى أجابه بالكف عنه. وفيها خلع على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله العلوي لإمارة الحاج من دار عز الدولة وركب معه أبو طاهر الوزير ابن بقيه إلى داره وحج بالناس. وفيها حج بالناس من مصر من جهة العزيز بن المعز عندما تخفف بعد موت أبيه المعز رجل علوي وأقيمت له الدعوة بمكة والمدينة بعد أن منع أهل مكة والمدينة من الميرة ولاقوا من عدم ذلك شدائد حتى اذعنوا له. وفيها توفي الأمير أبو صالح منصور بن نوح الساماني صاحب خراسان وقام ولده أبو القاسم نوح مقامه وسنه ثلاث عشرة سنة. وفيها توفي ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة أبو الحسن صاحب التاريخ كان طبيبًا فاضلًا عاشر الخلفاء والملوك وكان ثقة فريدًا في رقته. وفيها توفي الحسين بن محمد بن أحمد بن ماسرجس الحافظ أبو علي الماسرجسي. أسلم ماسرجس على يد عبد الله بن المبارك وكان نصرانيًا. أخذ بدمشق عن أصحاب هشام بن عمار وما صنف في الإسلام أكبر من مسنده وصنف المسند الكبير مهذبًا معللًا في ألف وثلاثمائة وجمع حديث الزهري جمعًا لم يسبقه إليه أحد وكان يحفظه مثل الماء. وفيها توفي عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك الحافظ أبو أحمد الجرجاني. ويعرف بابن القطان. رحل إلى الشام ومصر رحلتين أولاهما سنة سبع وتسعين. قال الذهبي: كان لا يعرف العربية مع عجمة فيه وأما في العلل والرجال فحافظ لا يجارى. وفيها توفي محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي المعروف بالقفال الكبير كان إمام عصره بما وراء النهر ولم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله. وفيها توفي عبد السلام بن محمد بن أبي موسى أبو القاسم الصوفي البغدادي سافر ولقي وفيها توفي عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر أبو الأصبغ الأموي الأندلسي. ولد بقرطبة ثم رحل إلى بخارى واستوطن بها. قال الحاكم أبو عبد الله: سمعته ببخارى يروي أن مالك بن أنس كان يحدث فجاءت عقرب فلدغته ست عشرة مرة فتغير لونه ولم يتحرك فقيل له في ذلك فقال: كرهت أن أقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. ولاية العزيز نزار هو نزار أبو منصور العزيز بالله بن المعز لدين الله أبي تميم معد بن المنصور بالله أبي طاهر إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدي أبي محمد عبيد الله العبيدي الفاطمي المغربي ثم المصري ثاني خلفاء مصر من بني عبيد والخامس من المهدي إليه ممن ولي من آبائه الخلافة بالمغرب. مولده بالمهدية من القيروان ببلاد المغرب في يوم عاشوراء سنة أربع وأربعين وقيل: سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة. وخرج مع أبيه المعز من المغرب إلى القاهرة ودام بها إلى أن مات أبوه المعز معد بعد أن عهد إليه بالخلافة. فولي بعده في شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة وله اثنتان وعشرون سنة وملك مصر وخطب له بها وبالشام وبالمغرب والحجاز وحسنت أيامه. وكان القائم بتدبير مملكته مولى أبيه جوهرًا القائد. وكان العزيز كريمًا شجاعًا سيوسًا وفيه رفق بالرعية. قال المسبحي: وفي أيامه بني قصر البحر بالقاهرة الذي لم يكن مثله لا في الشرق ولا في الغرب وقصر الذهب وجامع القرافة. قلت: وقد محي آثار هؤلاء المباني حتى كأنها لم تكن. قال المسبحي: وكان أسمر أصهب الشعر أعين أشهل بعيد ما بين المنكبين حسن الخلق قريبًا من الناس لا يؤثر سفك الدماء وكان مغرى بالصيد وكان يتصيد السباع وكان أديبًا فاضلًا. انتهى. وذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر وذكر له هذه الأبيات وقد مات له ابن في العيد فقال: نحن بنو المصطفى ذوو محن يجرعها في الحياة كاظمنا عجيبة في الأنام محنتنا أولنا مبتلىً وخاتمنا يفرح هذا الورى بعيدهم طرًا وأعيادنا مآتمنا وقال أبو منصور أيضًا: سمعت الشيخ أبا الطيب يحكي أن الأموي صاحب الأندلس كتب إليه نزار هذا يعني العزيز صاحب مضر كتابًا يسبه فيه ويهجوه فكتب إليه الأموي: أما بعد قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك. والسلام. قال: فاشتد ذلك على نزار المذكور وأفحمه عن الجواب. يعني أنه غير شريف وأنه لا يعرف له قبيلة حتى كان يهجوه. انتهى كلام أبي منصور. ولما تم أمر العزيز بمصر واستفحل أمره وأخذ في تمهيد أمور بلاده خرج عليه قسام الحارثي وغلب على دمشق. وكان قسام المذكور من الشجعان وكان أصله من قرية تلفيتا من قرى جبل سنير. كان ينقل التراب على الحمير وتنقلت به الأحوال حتى صار له ثروة وأتباع وغلب بهم على دمشق حتى لم يبق لنوابها معه أمر ولا نهي ودام على ذلك سنين. فلما ملك العزيز وعظم أمره أراد زواله فندب إليه جيشًا مع تكين فسار تكين إليه وحاربه أيامًا وصار العزيز يمده بالعساكر إلى أن ضعف أمر قسام وأختفى أيامًا ثم استأمن فقيدوه وحملوه إلى العزيز إلى مصر. وقال القفطي غير ذلك قال: فغلب على دمشق رجل من العيارين يعرف بقسام وتحصن بها يعني دمشق وخالف على صاحب مصر فسار لحربه الأمير الفضل من مصر فحاصر دمشق وضاق بأهلها الحال فخرج قسام متنكرًا فأخذته الحرس فقال: أنا رسول فأحضروه إلى الفضل فقال له: أنا رسول قسام إليك لتحلف له وتعوضه عن دمشق بلدًا يعيش به وقد بعثني إليك سرًا فحلف الفضل له. فلما توثق منه قام وقبل يديه وقال: أنا قسام فأعجب الفضل ما فعله وزاد في إكرامه ورده إلى البلد وسلمه إليه وقام الفضل بكل ما ضمنه وعوضه موضعًا عاش به. فلما بلغ ذلك العزيز أحسن صلته. انتهى. وقال الذهبي روايةً أخرى في أمر قسام قال: وهو الذي يتحدث الناس أنه ملك دمشق وأنه قسم البلاد وقدم لقتاله سلمان بن جعفر بن فلاح إلى دمشق بجيش فنزل بظاهرها ولم يمكنه دخولها فبعث إليه قسام بخطه: أنا مقيم على الطاعة. وبلغ العزيز ذلك فبعث البريد إلى سلمان ليرده فترحل سلمان من دمشق وولى العزيز عليها أبا محمود المغربي ولم يكن له أيضًا مع قسام أمر ولا حل ولا عقد. انتهى كلام الذهبي. قلت: ولعل الذي ذكره الذهبي كان قبل توجه عسكر تكين والفضل فإن الفضل لما سار بالجيوش أخذ دمشق من قسام وعوضه بلدًا وهو المتواتر. والله أعلم. وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: كان العزيز قد ولى عيسى بن نسطورس النصراني ومنشا اليهودي فكتبت إليه امرأة: بالذي أعز اليهود بمنشا والنصارى بابن نسطورس وأذل المسلمين بك إلا نظرت في أمري. فقبض العزيز على اليهودي والنصراني وأخذ من ابن نسطورس ثلاثمائة ألف دينا ر انتهى. وقال ابن خلكان: وأكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبيد الله والد خلفاء مصر حتى إن العزيز في أول ولايته صعد المنبر يوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها: إنا سمعنا نسبًا منكرًا يتلى على المنبر في الجامع إن كنت فيما تدعي صادقًا فاذكر أبا بعد الأب الرابع وإن ترد تحقيق ما قلته فانسب لنا نفسك كالطائع أو فدع الأنساب مستورة وادخل بنا في النسب الواسع فإن أنساب بني هاشم يقصر عنها طمع الطامع فقرأها العزيز ولم يتكلم. ثم صعد العزيز المنبر يومًا آخر فرأى ورقة فيها مكتوب: بالظلم والجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقه إن كنت أعطيت علم غيب فقل لنا كاتب البطاقه قال: وذلك لأنهم ادعوا علم المغيبات والنجوم. وأخبارهم في ذلك مشهورة. انتهى كلام ابن خلكان باختصار. وقال غيره: كأن العزيز ناهضًا وفي أيامه فتحت حمص وحماة وحلب وخطب له صاحب الموصل أبو الذواد محمد بن المسيب بالموصل وخطب له باليمن. ثم انتقض ما بينه وبين صاحب حلب أبي الفضائل بن سعد الدولة ومدبر ملكه لؤلؤ بعد وفاة سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب لما قتل بكجور وهرب كاتبه أعني كاتب بكجور وهو علي بن الحسين المغربي من حلب إلى مشهد الكوفة على البرية ثم اجتهد حتى وصل إلى مصر واجتمع بالعزيز هذا وعظم أمر حلب عنده وكثرها وهون عليه حصونها وأمر متوليها أبي الفضائل. قلت: ولؤلؤ وأبو الفضائل يأتي بيان ذكرهما فيما يقع بينهما وبين العزيز وتأتي أيضًا وفاتهما في الحوادث فيظهر بذلك أمرهما على من لا يعرفهما. فلما هون علي بن الحسين أمر حلب على العزيز تشوقت نفسه إلى أخذ حلب من أبي الفضائل. وكان للعزيز غلامان أحدهما يسمى منجوتكين والآخر بازتكين من الأتراك وكانا أمردين مشتدين فأشار على العزيز المغربي المذكور بإنفاذ أحدهما لقتال الحلبيين لتنقاد إليه الأتراك مماليك سعد الدولة فإنه كان قبل ذلك قد استأمن إلى العزيز جماعة من أصحاب سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان بعد موت سعد الدولة فأمنهم العزيز وأحسن إليهم وقربهم منهم وفي الصقلبي في ثلاثمائة غلام يعني مملوكًا وبشارة الإخشيذي في أربعمائة غلام ورباح السيفي فولى العزيز وفيًا الصقلبي عكا وولى بشارة طبرية وولى رباحًا غزة. ثم إن العزيز ولى مملوكه منجوتكين حرب حلب وقدمه على العساكر وولاه الشأم واستكتب له أحمد بن محمد النشوري ثم ضم إليه أيضًا أبا الحسن علي بن الحسين المغربي المقدم ذكره ليقوم المغربي بأمر منجوتكين وتدبيره مع الحلبيين فإنه كان أصل هذه الحركة. وخرج العزيز حتى شيعهم بنفسه وودعهم. فسار منجوتكين حتى وصل دمشق فتلقاه أهلها والقواد وعساكر الشام والقبائل فأقام منجوتكين بعساكره عليها مدة ثم رحل طالبًا لحلب في ثلاثين ألفًا. وكان بحلب أبو الفضائل بن سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان ومعه لؤلؤ فأغلقا أبوابها واستظهرا في القتال غاية الاستظهار على المصريين. وكان لؤلؤ لما قدم عسكر مصر إلى الشام كاتب بسيل ملك الروم في النجدة على المصريين ومت له بما كان بينه وبين سعد الدولة من المعاهدة والمعاقدة وأن هذا ولده قد حصر مع عساكر المصريين وحثه على إنجاده ثم بعث إليه بهدايا وتحف كثيرة وسأله في المعونة والنصرة على المصريين وبعث الكتاب والهدايا مع ملكون السرياني فتوجه ملكون السرياني إليه فوجد ملك الروم يقاتل ملك البلغر فأعطاه الهدية والكتاب فقبل الهدية وكتب إلى البرجي نائبه بأنطاكية أن يسير بالعساكر إلى حلب ويدفع المغاربة أعني عساكر العزيز عن حلب. فسار البرجي في خمسين ألفًا ونزل البرجي بعساكره الجسر الجديد بين أنطاكية وحلب. فلما بلغ ذلك منجوتكين استشار علي بن الحسين المغربي والقواد في ذلك فأشاروا عليه بالانصراف من حلب وقصد الروم والابتداء بهم قبل وصول الروم إلى حلب لئلا يحصلوا بين عدوين. فساروا حتى نزلوا تحت حصن أعزاز وقاربوا الروم وصار بينهم النهر المعروف بالمقلوب. فلما وقع بصرهم على الروم رموهم بالنشاب وبينهم النهر المذكور ولم يكن لأحد الفريقين سبيل للعبور لكثرة الماء. وكان منجوتكين قد حفظ المواضع التي يقل الماء فيها وأقام جماعة من أصحابه يمنعون عسكره من العبور لوقت يختاره المنجم. فخرج من عسكره من الديلم رجل شيخ كبير في السن وبيده ترس وثلاث روسات فوقف على جانب النهر وبإزائه قوم من الروم فرموه بالنشاب وهو يسبح حتى قطع النهر وصار على الأرض من ذلك البر والماء في النهر إلى صدره. فلما رأوه عساكر منجوتكين رموا بأنفسهم في الماء فرسانًا ورجالة ومنجوتكين يمنعهم فلا يمتنعون حتى صاروا مع الروم في أرض واحدة وقاتلوا الروم فأنزل الله نصره على المسلمين فولى الروم وأعطوهم ظهورهم وركبهم المسلمون فأثخنوهم قتلًا وأسرًا وأفلت كبير الروم البرجي في عدد يسير إلى أنطاكية وغنم المسلمون من عساكرهم وأموالهم شيئًا لا يعد ولا يحصى. وكان مع الروم ألفان من عسكر حلب المسلمين فقتل منجوتكين منهم ثلاثمائة. وتبع منجوتكين الروم إلى أنطاكية فأحرق ضياعها ونهب رساتيقها ثم كر راجعًا إلى حلب وكان وقت الغلات فعلم لؤلؤ أنه لا له نجدة وأنه يضعف عن مقاومة المصريين فكاتب المغربي والنشوري كاتبي منجوتكين وأرغبهما في المال وبذل لهما ما أرضاهما وسألهما أن يشيرا على منجوتكين بالانصراف عن حلب إلى دمشق وأن يعود في العام المقبل فخاطباه في ذلك وصادف قولهما له شوق منجوتكين إلى دمشق وكان منجوتكين أيضًا قد مل الحرب فانخدع وكتب هو والجماعة إلى العزيز يقولون: قد نفدت الميرة ولا طاقة للعساكر على المقام ويستأذنونه في الرجوع إلى دمشق. وقبل أن يجيء جواب العزيز رحلوا عن حلب إلى دمشق. وبلغ العزيز ذلك فشق عليه رحيلهم ووجد أعداء المغربي طريقًا إلى الطعن فيه عند العزيز فصرف العزيز المغربي وقلد الأمر للأمير صالح بن علي الروذباري وأقعده مكانه. ثم حمل العزيز من غلات مصر في البحر إلى طرابلس شيئًا كثيرًا ثم رجع منجوتكين إلى حلب في السنة الآتية وبنى الدور والحمامات والخانات والأسواق بظاهر حلب وقاتل أهل حلب. واشتد الحصار على لؤلؤ وأبي الفضائل بحلب وعدمت الأقوات عندهم بداخل حلب فكاتبوا ملك الروم ثانيًا وقالوا له: متى أخذت حلب أخذت أنطاكية ومتى أخذت أنطاكية أخذت قسطنطينية. فلما سمع ملك الروم ذلك سار بنفسه في مائة ألف وتبعه من كل بلد من معاملته عسكره فلما قرب من البلاد أرسل لؤلؤ إلى منجوتكين يقول: إن الإسلام جامع بيني وبينك وأنا ناصح لكم وقد وافاكم ملك الروم بجنوده فخذوا لأنفسكم ثم جاءت جواسيس منجوتكين فأخبروه بمثل ذلك فأحرق منجوتكين الخزائن والأسواق وولى منهزمًا وبعث أثقاله إلى دمشق وأقام هو بمرج قنسرين ثم سار إلى دمشق. ووصل بسيل ملك الروم بجنوده إلى حلب ونزل موضع عسكر المصريين فهاله ما كان فعله منجوتكين وعلم كثرة عساكر المصريين وعظموا في عينه وخرج إليه أبو الفضائل صاحب حلب ولؤلؤ وخدماه. ثم سار ملك الروم في اليوم الثالث ونزل على حصن شيزر وفيه منصور بن كراديس أحد قواد العزيز فقاتله يومًا واحدًا ثم طلب منه الأمان فأمنه فخرج بنفسه إليه فأهل به بسيل ملك الروم وأعطاه مالًا وثيابًا وسلم الحصن إليه فرتب ملك الروم عليه أحد ثقاته. ثم نازل حمص فافتتحها عنوة وسبى منها ومن أعمالها أكثر من عشرة آلاف نسمة. ثم نزل على طرابلس أربعين يومًا فقاتلهم فلم يقدر على فتحها فرحل عائدًا إلى الروم. ووصل خبره إلى العزيز فعظم عليه ذلك إلى الغاية ونادى في الناس بالنفير وفتح الخزائن وأنفق على جنده. ثم سار بجيوشه ومعه توابيت آبائه فنزل إلى الشام ووصل إلى بانياس فأخذه مرض القولنج وتزايد به حتى مات منه وهو في الحمام في سنة ست وثمانين وثلاثمائة. وقيل في وفاته غير ذلك أقوال كثيرة منها أنه مات بمدينة بلبيس من ضواحي القاهرة وقيل: إنه مات في شهر رمضان قبل خروجه من القاهرة في الحمام وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر. وكانت مدة ولايته على مصر إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وأيامًا. وتولى مصر بعده ابنه أبو علي منصور الملقب بالحاكم الآتي ذكره إن شاء الله. وكان العزيز ملكًا شجاعًا مقدامًا حسن الأخلاق كثير الصفح حليمًا لا يؤثر سفك الدماء وكانت لديه فضيلة وله شعر جيد وكان فيه عدل وإحسان للرعية. قلت: وهو أحسن الخلفاء الفاطميين حالًا بالنسبة لأبيه المعز ولابنه الحاكم على ما يأتي ذكره إن شاء الله. قال ابن خلكان: وزادت مملكته على مملكة أبيه وفتحت له حمص وحماة وشيزر وحلب وخطب له المقلد العقيلي صاحب الموصل بالموصل وأعمالها في المحرم سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وضرب اسمه على السكة والبنود وخطب له باليمن. ولم يزل في سلطانه وعظم شأنه إلى أن خرج إلى بلبيس متوجهًا إلى الشام فابتدأت به العلة في العشر الأخير من رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة. ولم يزل مرضه يزيد وينقص حتى ركب يوم الأحد لخمس بقين من شهر رمضان من السنة المذكورة إلى الحمام بمدينة بلبيس وخرج إلى منزل الأستاذ أبي الفتوح برجوان وكان برجوان صاحب خزانته بالقصر فأقام عنده وأصبح يوم الاثنين وقد أشتد به الوجع يومه ذلك وصبيحة نهار الثلاثاء وكان مرضه من حصاة وقولنج فاستدعى القاضي محمد بن النعمان وأبا محمد الحسن بن عمار الكتامي الملقب أمين الدولة وهو أول من تلقب من المغاربة وكان شيخ كتامة وسيدها ثم خاطبهما في أمر ولده الملقب بالحاكم ثم استدعى ولده المذكور وخاطبه أيضًا بذلك. ولم يزل العزيز في الحمام والأمر يشتد به إلى بين الصلاتين من ذلك النهار وهو الثلاثاء الثامن والعشرون من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة فتوفي في مسلخ الحمام. هكذا قال المسبحي. قلت: والعزيز هذا هو الذي رتب الفطرة في عيد شوال وكانت تعمل على غير هذه الهيئة. وكانت الفطرة تعمل وتفرق بالإيوان ثم نقلت في عدة أماكن وكان مصروفها في كل سنة عشرة آلاف دينار. وتفصيل الأنواع: دقيق ألف حملة سكر سبعمائة قنطار قلب فستق ستة قناطير لوز ثمانية قناطير بندق أربعة قناطير تمر أربعمائة إردب زبيب ثلاثمائة إردب خل ثلاثة قناطير عسل نحل خمسة قناطير شيرج مائتا قنطار حطب ألف ومائتا حملة سمسم إردبان آنيسون إردبان زيت طيب للوقود ثلاثون قنطارًا ماء ورد خمسون رطلًا مسك خمس نوافج كافور عشرة مثاقيل زعفران مائة وخمسون درهمًا. ثمن مواعين وأجرة صناع وغيرها خمسمائة دينار. انتهى باختصار. ولنعد إلى ذكر وفاة العزيز صاحب الترجمة. وقال صاحب تاريخ القيروان: إن الطبيب وصف له دواء يشربه في حوض الحمام وغلط فيه فشربه فمات من ساعته ولم ينكتم تاريخ موته ساعة واحدة. وترتب موضعه ولده الحاكم أبو علي منصور. وبلغ الخبر أهل القاهرة فخرج الناس غداة الأربعاء لتلقي الحاكم فدخل البلد وبين يديه البنود والرايات وعلى رأسه المظلة يحملها ريدان الصقلبي فدخل القصر عند اصفرار الشمس ووالده العزيز بين يديه في عمارية وقد خرجت رجلاه منها وأدخلت العمارية القصر وتولى غسله القاضي محمد بن النعمان ودفن عند أبيه المعز في حجرة من القصر. وكان دفنه عند العشاء الأخيرة. وأصبح الناس يوم الخميس سلخ الشهر والأحوال مستقيمة وقد نودي في البلدان: لا مؤونة ولا كلفة وقد أمنكم الله على أموالكم وأرواحكم فمن نازعكم أو عارضكم فقد حل ماله ودمه. وكانت ولادة العزيز يوم الخميس رابع عشر المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. انتهى كلام ابن خلكان باختصار رحمه الله. وقال المختار المسبحي صاحب التاريخ المشهور: قال لي الحاكم وقد جرى ذكر والده العزيز: يا مختار استدعاني والدي قبل موته وهو عاري الجسم وعليه الخرق والضماد يعني كونه كان في الحمام قال: فاستدعاني وقبلني وضمني إليه وقال: واغفي عليك يا حبيب قلبي ودمعت عيناه ثم قال: امض يا سيدي فالعب فأنا في عافية. قال الحاكم: فمضيت والتهيت بما يلتهي به الصبيان من اللعب إلى أن نقل الله تعالى العزيز إليه. انتهى كلام المسبحي. وكان العزيز حازمًا فصيحًا. وكتابه إلى عضد الدولة بحضرة الخليفة الطائع العباسي يدل على فضل وقوة. وكان كتابه يتضمن بعد البسملة: من عبد الله ووليه نزار أبي منصور الإمام العزيز بالله أمير المؤمنين إلى عضد الدولة الإمام نصير ملة الإسلام أبي شجاع بن أبي علي. سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله الصلاة على جده محمد رسول رب العالمين وحجة الله على الخلق أجمعين صلاةً باقيةً ناميةً متصلةً دائمةً بعترته الهادية وذريته الطيبة الطاهرة. وبعد فإن رسولك وصل إلى حضرة أمير المؤمنين مع الرسول المنفذ إليك فأدى ما تحمله من إخلاصك في ولاء أمير المؤمنين ومودتك ومعرفتك بحق إمامته ومحبتك لآبائه الطائعين الهادين المهديين. فسر أمير المؤمنين بما سمعه عنك ووافق ما كان يتوسمه فيك وأنك لا تعدل عن الحق. ثم ذكر كلامًا طويلًا في المعنى إلى أن قال: وقد علمت ما جرى على ثغور المسلمين من المشركين وخراب الشام وضعف أهله وغلاء الأسعار. ولولا ذلك لتوجه أمير المؤمنين بنفسه إلى الثغور وسوف يقدم إلى الحيرة وكتابه يقدم عليك عن قريب فتأهب إلى الجهاد في سبيل الله. وفي آخر الكتاب: وكتبه يعقوب بن يوسف فكتب إليه عضد الدولة كتابًا يعترف فيه بفضل أهل البيت ويقر للعزيز أنه من أهل تلك النبعة الطاهرة وأنه في طاعته ويخاطبه بالحضرة الشريفة وما هذا معناه. انتهى. قلت: وأنا أتعجب من كون عضد الدولة كان إليه أمر الخليفة العباسي ونهيه ويقع في مثل هذا لخلفاء مصر وقد علم كل أحد ما كان بين بني العباس وخلفاء مصر من الشنآن. وما أظن عضد الدولة كتب له ذلك إلا عجزًا عن مقاومته فإنه قرأ كتابه في حضرة الخليفة الطائع وأجاب بذلك أيضًا بعلمه فهذا من العجب. قال الوزير يعقوب بن كلس: سمعت العزيز بالله يقول لعمه حيدرة: يا عم أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة وأرى عليهم الذهب والفضة والجوهر ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار وأن يكون ذلك كله من عندي. قال المسبحي: وهذا لم يسمع بمثله قط من ملك. انتهت ترجمة العزيز. ولما مات رثاه الشعراء بعدة قصائد.
|